مولود مدي*
مساهمة: الجزائر في وضع سياسي دقيق للغاية، ومع ذلك لا يزال أصحاب القرار تجدهم يتحدثون إما لغة لا يفهمها الشارع، كحكومة بدوي الذي يحاول قمع الحراك والنيل من سلميته وفي نفس الوقت تصدر منه دعوات تهريجية ومنها الدعوة الى انشاء أحزاب سياسية.. وإما قائد أركان يتحدث عن “أطراف خارجية” تتربص بالبلد، ولا نعرف بالضبط هل هو طرف واحد أو طرفين أو عدة أطراف، كما لا ندري هل هذا وقت الحديث بالألغاز والشيفرات عوض أن يعطينا (قايد صالح) توضيحا أكثر عن هذه الأطراف، لكي نحترس منها ونعرف كيف نتعامل معها أكثر، دون أن نتغافل أيضا أن هناك قنوات اعلامية أصبحت مهووسة بمصطلح الدولة العميقة، ولو أن هذا الهوس نفسره بأنه تعبير عن ان الإعلاميين الذين يروجون لهذا المصطلح يجهلون معناه بالأساس، أم فذلكات كلامية من أجل الدراما، مستغلين عدم فهم الناس لهذا المصطلح وعدم تعودهم عليه، لأنه لم يصبح موضع جدال بين الحراك الا بعد تصريحات الامين العام السابق للأفالان (عمار سعيداني).
دعك من “بدوي” وتهريجه، فلا يمكن لإنسان عاقل أن يحس بالإرتياح من ديمقراطيته “الكلامية” ، فهذا (بدوي) حكومته غير شرعية، والتي أصبحت مصدرا للهزل والنكت من الشعب، بالإضافة أنه لا يمكن لشخص متورط في اصدار أوامر بالإعتداء على الاطباء المضربين بالعصي واسالة دمائهم، وصاحب سوابق في التزوير لصالح النظام، فلا يمكن أن يؤتمن على دعوته المضحكة هاته، خصوصا مع التعديلات الحكومية الجديدة والتي لم تطاله لانه سيكون خادما مطيعا للنظام لا لشعبه للأسباب التي ذكرتها.
من هي هذه “الأيادي الخارجية” ؟ الحراك الشعبي يعلم تمام العلم أنها محصورة في (فرنسا، الولايات المتحدة الامريكية، روسيا، الإمارات) وكل هذه الدول لديها مصالح في الجزائر، فهناك منها من يريد ان يبقى النظام كما هو لكي يبقى يستفيد من الإمتيازات الخاصة التي تمتع بها منذ الإستقلال كفرنسا، والبعض يريد قيام نظام ديمقراطي يقرب بشكل تلقائي الجزائر أكثر من الغرب، وهناك من يريد تغيير شكلي فقط في النظام لا في جوهره كروسيا التي تريد الحفاظ على شراكتها الناجحة مع أحد أكبر زبائن أسلحتها في ايفريقيا، وهناك الإمارات التي لا تريد أن ترى أي نموذج ديمقراطي في المنطقة، يؤذن بتهديد عروش الطغاة العرب ..
لو نتحدث عن فرنسا، فالنظام نسج شبكة علاقات خاصة جدّا أصبحت فيها سيادة الدولة الجزائرية وكرامتها في خبر كان ، رئيس مقعد يصدر قرارات سياسية مهمة من “فال دوغراس”، وزراء لا يزالون في الحكومة وفي نفس الوقت يمتلكون عقارات في أرقى شوارع باريس، و حتى شهادات اقامة هناك، بل أن وزراء سابقين عادوا إلى فرنسا بمجرد خروجهم من الحكومة ، مثل وزير الخارجية السابق محمد بجاوي وشكيب خليل ومحمد الشريف عباس والشريف رحماني، بل بعضهم تعرض للإهانات هناك ولم تشفع لهم مناصبهم الرفيعة في تفاديها، كوزير الإتصال حميد قرين، الذي تمّ إخضاعه لتفتيش جسدي دقيق ولتفتيش أمتعته عبر السكانير، بمطار أورلي بباريس، برغم استظهاره لجواز سفره الدبلوماسي، ومع هذا، لا يزال التعاون العسكري والاستراتيجي بين البلدين قائما، “ايف بوني” الرئيس السابق للمخابرات الفرنسية في مذكراته, وصف فيها العلاقة الوطيدة التي تربط جهاز الامن الجزائري بمصالح الامن الفرنسية بقوله : “ان فرنسا محظوظة جدا, لأنها تستطيع الاعتماد على شريك كهذا, شريك كفئ, وعلى دراية تامة بواقع الشرق الأوسط, ان دليلنا في القضايا العربية هي الجزائر”، هناك الكثير من الملفات العالقة بين البلدين، والتي قد يؤدي فتحها الى مشكلة كبيرة للحكومة للفرنسية ومنها ملف التجارب النووية في الجزائرية التي لا تزال شواهدها وضحاياها الى اليوم، والتي تسببت في كوارث ايكولوجية كبيرة، فلو كانت لدينا حكومة وطنية، تعمل لصالح الشعب، لطالبت بتعويضات تقدر بمئات الملايين أورو، أليس كل ماذكرناه هو عين التأمر على البلاد والشعب؟ فلماذا تذكر (قايد صالح) وقنواته الإعلامية المعروفة التأمر الفرنسي في مناسبة الحراك فقط؟.
ماذا لو كان يقصد قائد الأركان الخارج بالإمارات ؟ فهذه الأخيرة يعرف أنها مصدر كل الإنقلابات في العالم العربي، للحد الذي لقب احد أبرز زعمائها “محمد بن زايد” بـ (شيطان العرب) الذي يبدو انه شخصية سياسية متخصصة في الإنقلابات ليس فقط حديثا بل حتى في فترة التسعينات وبالضبط محاولة قلب نظام الحكم في قطر، ثم في مصر، واليمن ، بين الجزائر والإمارات حوالي 14 اتفاقية في مجالات متعددة ولا نعرف ان استعان النظام أيضا بالحسابات الآلية أو المُبرمَجة في الفيسبوك والتويتر لمهاجمة الشعوب والمعارضين لانظمة الحكم العربية الإستبدادية، والتي يعرف أن مصدرها الأساسي هو من الإمارات، هذا الذباب الإلكتروني لا زال يغذي الازمة القطرية-السعودية ويقال أن المسؤول عن ادارة اللجان الالكترونية هذه هو (حمد المزروعي) المقرب من (محمد بن زايد) والذي صدّر هذه الفكرة فيما بعد الى أحد المسؤولين في السعودية المعروف بـ (سعود القحطاني) احد أهم الشخصيات المقربة من (محمد بن سلمان) فلا نعرف ان صدّرها الى النظام الجزائري أيضا..
بخصوص الولايات المتحدة، علاقات الجزائر الإقتصادية ضعيفة معها لو نقارنها مع روسيا، حصة الولايات المتحدة في السوق الجزائرية، لا تتعدى 5 % ، لكن الجزائر تستفيد من الخبرة الأمريكية في مواجهة تجارة المخدرات، في إطار برنامج أمريكي لمواجهة العصابات الدولية الكبيرة التي تعمل على تهريب المخدرات، ويستفيد ضباط من الدرك الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني من برنامج تكويني على يد مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) من أجل مواجهة عصابات تهريب المخدرات الثقيلة، الكوكايين والهيروين، المتمركزة في البرازيل وكولومبيا، ويشمل برنامج التكوين، تكوين إطارات الشرطة والدرك في تقنيات تعقب العصابات الدولية، ومكافحة نشاط غسيل الأموال الذي تمارسه هذه العصابات وعمليات نقل المخدرات، فلماذا لا يتم اعتبار هذا التنسيق شكل من أشكال ضرب وحدة الجزائر وسيادتها؟ فلماذا لا يتم ايقاف هذا التنسيق، وبعد ذكر كل هذه “الأطراف” من عليه الان تقديم الضمانات على عدم حدوث تدخل خارجي؟ النظام أم الحراك؟.
ومن محاولات تضليل الحراك الشعبي، أقول التضليل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مصطلح “الدولة العميقة”، الذي أصبح يشهر في وجه كل من يعارض (قايد صالح)، ولن أفصل هنا ما يعنيه هذا المصطلح أكثر من القول بأنه يشير الى أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمؤسسات الدولة (كالجيش والبرلمان والحكومة) وحتى الأحزاب..
الجزائر منذ الإستقلال لم تحكمها مؤسسات، نظامها سلطوي مركزي، بينما المؤسسات هي (خضرة فوق طعام) موجودة على الورق فقط، كالدستور نفسه، لكن الطريف في الامر أن من يتحدث عن الدولة العميقة، لا يتحدث عن شبكة واسعة تريد السيطرة على الدولة، بل على شخص وحيد، جنرال اشتغل في المخابرات وهو حاليا متقاعد (الجنرال توفيق) ! الذي أزيح في 2015 بطريقة حطمت كل الهالة التي اصطنعها لنفسها، ولا نبالغ ان قلنا أن صاحب فزاعة “الدولة العميقة” قد جلب السخرية لنفسه، وعن ( عمار سعيداني) أتحدث هنا، الذي كلفته السلطة بمهاجمة (توفيق ) ولا يزال يؤدي مهمته على أكمل وجه، ومن المفروض على صاحب قصة “الدولة العميقة” أن يمنح الحراك معلومات أكثر عن هذه الدولة العميقة مع فقدان (توفيق ) قوته، وكيف يدير هذه الشبكات التي يسعى من خلالها للسيطرة على الدولة أو زعزعة استقرار الجيش كما قال، أما خطابات “أطراف تريد” و “أشخاص يريدون” فهي ليست بحجة، ولا وزن حقيقي لها، مادام أصحابها لا يقدمون اي أدلة قطعية عن ادعاءاتهم، فضلا أن لغة التأثير في الدولة والنفوذ لا تعترف بالأشخاص، وإنما بالمنصب، والمشكلة أن أشباه هذه الإدعاءات يمكن أن تصدر حتى من أشخاص لا علاقة لهم من قريب ولا من بعيد بمناصب الدولة، أي شخص عادي يستطيع أن يقول هذا الكلام، ان نظرية “الدولة العميقة” صالحة في دول مثل تركيا، الولايات المتحدة .. صالحة في دول مؤسسات وفي أنظمة ديمقراطية، ولهذا مثلا ترامب الرئيس الامريكي عندما تحدث عنها تسبب تصريحه بإثارة جدل كبير في الوسط السياسي الأمريكي، وتم أخذ تصريحاته على محمل الجد، لكن الجزائر ليست الولايات المتحدة، وسعداني ليس ترامب !
وعلى أي حال، الدولة العميقة، الأيادي الخارجية.. مصطلحات يظهر من طريقة تعامل معظم القنوات الإعلامية معها على أنها مجرد فزّاعات لتوجيه الحراك الشعبي عن اهتمامه الحقيقي وهو دولة القانون، وأشباه هذه المحاولات لا تعبّر الا على مستوى من يخطط لها، فمن المفروض على أصحابها أن تكون مخططاتهم في مستوى ذكاء الحراك الشعبي، لا أن يتحولوا هم و قصصهم الى مصدر للسخرية، بعد أن يتحولوا طبعا هم أيضا الى هدف للحراك.
*مولود مدي طالب جامعي، مدوّن
ملاحظة: ما ينشر في هذا الفضاء لا يعبر بالضروة على رأي الموقع
- روابط التحميل والمشاهدة، الروابط المباشرة للتحميل من هنا
Post a Comment