*ابراهيم تزاغارت
مساهمة: في هذه المرحلة الحساسة التي تعيشها البلاد جراء الانتفاضة الشعبية التي هزت اركان النظام القائم و أعادت الشعب الجزائري كفاعل أساسي في الحياة السياسية، ارتأيت أن أتناول موضوع الحراك الشعبي و الحالة الإقليمية.
لا يخفى علي أحد أننا نعيش في عالم تتداخل فيه مصالح الدول بشكل كبير و عميق جراء العولمة الاقتصادية و التقدم التكنولوجي الذي جعل المعمورة تتحول إلي قرية صغيرة. فنحن نتأثر و نؤثر و إن كان التأثر هو الأكبر لكوننا بلد ضعيف رغم كون الجزائر هي أكبر بلد مساحة في افريقيا بعد تقسيم السودان و كذا ما يسمى بالعالم العربي. فرغم الثروة الطبيعية الكبيرة و الثروة البشرية العظيمة ب /10070 من الشباب بقيت بلادنا من الدول الضعيفة التي ترتبك عد أي تذبذب علي حدودها.
الحالة علي الحدود
يوم 23 مارس 2019، أقدم مجهولون علي ارتكاب مجزرة رهيبة راح ضحيتها 134 قتيل و 55 جريح في قرية أوغساغو بولاية موبتي وسط مالي. في هذه الأيام، و بموازاة لما تعرفه بلادنا من حراك شعبي غير مسبوق، تحركت قوات المشير حفتر نحو طرابلس في خطة استباقية لفرض نفسه كرئيس قادم لليبيا خلال الملتقى المزمع تنظيمه في شهر جويلية من هذا العام. هذا التقدم الغير بعيد عن الحدود الجزائرية من طرف رجل لا يحمل كثيرا من المودة للجزائر و الذي تسانده الوجيستيكية الإماراتية في عمليته يضع الجيش الوطني الشعبي في حالة تأهب قصوى.
هذا الاثنين 08 أفريل، و على الحدود الغربية، بدأت القوات المغربية حسب المنتدى العسكري “فار ماروك” بتنظيم مناورات هي الأضخم في تاريخ الجيش الملكي تحمل ”اسم جبل صاغرو” الذي يكتسي رمزية تعود إلى حرب الرمال بين الشقيقتين الجزائر و المغرب سنة 1963.
تناغم هذه الأحداث على طول الحدود الجزائرية يتزامن مع قرار الحكومة الجزائرية بتغيير موقفها من الحراك عبر العودة إلي الأساليب القمعية بعد أن سايرته سلميا لستة أسابيع متتالية. هنا يجدر بنا أن نتساءل: – كيف للحراك الشعبي الجزائري أن يقرأ هذه الأحداث ؟ – كيف له أن يتفاعل معها و يسايرها لبلوغ هدفين استراتجيين هما :
1 – نجاح الحراك الشعبي عبر تغيير جذري للنظام يتم بذهاب كل رموز الفساد.
2 – حماية الجزائر من أي زعزعة و مؤامرة تحاك ضدها مستغلة أجواء الحراك نفسه..
المؤامرة المستمرة
من السذاجة الاقتناع أن كل كلام على الخطر الخارجي يصب في مصلحة النظام. هذا التفكير سيؤدي حتما إلى حالة من اللاوعي و الاسترخاء السياسي في وضع إقليمي معقد جدا و قابل لتطورات رهيبة في أي وقت.
لقد عاش العالم و بلدنا معه أحداث لا يجب محوها من الذاكرة. في 1988-1989، تم تفكيك دول عدم الانحياز و على رأسها يوغوسلافيا جوزيف بروز تيتو و نجت الجزائر من الزوبعة رغم دفعها لثمن باهظ. في 2011، بدأت عملية تدمير كل بلدان مجموعة الصمود و التصدي من العراق، سوريا، ليبيا و اليمن و بقيت الجزائر خارج الموجة رغم محاولات جرها إلى مستنقع الخراب.
إن رحيل ساركوزي، الذي قال إن الجزائر ستدمر بعد الانتهاء من سوريا، من على رئاسة فرنسا و انكسار الحلف الخليجي الذي مول ما سمي بالربيع العربي و ذلك بعد إزاحة محمد مرسي من رئاسة مصر و خروج قطر من المدار السعودي و اقترابها من تركيا و إيران لا يعني أن الإعصار مر و لن يعود. فا لمصالح التي بررت هذا المخطط باقية و التسابق نحو التحكم في الموارد الطبيعية و خاصة البترول و الغاز هو في أوجه كما أن الجري وراء الاستحواذ علي المجالات الحيوية و على رأسها قارتنا السمراء هو علي قدم و ساق.
كلام لافروفـ، وزير خارجية روسيا بمناسبة زيارته لتونس عام 2014 عن مؤامرة كبيرة تحاك ضد الجزائر لا يمكن أن يكون كلام فارغ. فله لا محالة معلومات تجعله يؤدي بهذا التصريح و بلاده من تزود الجيش الجزائري بأسلحة جد متطورة.
هذا التذكير ببعض الأحداث التي عرفتها المنطقة الشمال افريقيا و الساحل و لمنطقة العربية يجعلنا أكثر يقظة و تمكن من الأحداث التي تدور من حولنا.
إن تجاهل البعد الجيوسياسي من طرف الحراك هو خطأ لا يغتفر.
التحركات و بعض مغازيها
كل هذه التحركات على الحدود الجزائرية و في هذه المرحلة الحساسة من الحراك الشعبي الذي بدأ يتأزم من أسبوع إلي أخر، ليست وليدة الصدفة و لا يمكن أن تكون، أنتجت ضغطا رهيبا على الدولة و الجيش الجزائري الذي بادر قائده بزيارة إلي وهران أين أشرف على تنفيذ تمرين بالذخيرة الحية نفذته وحدات من الفرقة الثامنة المدرعة ووحدات أخرى من اللواء الـ 36 مشاة. إضافة إلي هذه التحركات الميدانية أطلق قائد الجيش تصريحات عن اختراق الحراك تعبر عن قلق المؤسسة العسكرية من تطورات محتملة للأحداث.
إن تقاطع المصالح في بعض المرات و تنافسها في مرات أخرى بين كثيرا من الدول المؤثرة كايطاليا، ألمانيا، انجليترا، روسيا، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية إلي جانب الإمارات، قطر و تركيا يضع ليبيا علي صفيح من النار. هذه الحالة الخطيرة من الاقتتال بين الأشقاء و أبناء الشعب الواحد الذي نسي ملحمة عمر المختار و تاريخه العريق ستستخدمها بعض هذه القوي للضغط علي الجزائر لتغيير مواقفها من بعض القضايا و مدها بمصالح أكبر في المجالات الإستراتيجية. إضافة إلي ذلك سيمكن ضعف دور الجزائر في هذه المرحلة بالذات الدول المتدخلة في الشأن الليبي من تجذ ير مصالحها و وجودها في المنطقة علي حساب المنطقة برمتها.
الشعب ضامن الأمن القومي.
ان الكلام عن المخاطر الخارجية لا يهدف إطلاقا إلي زرع التخويف و شل الحراك الشعبي كما يتوهم البعض و يحاول التسويق له. با لعكس تماما، فالمبتغى هو تجنيد الرأي العام الوطني للمطالبة بدولة المؤسسات الديمقراطية و دولة القانون التي تسمح وحدها بالتلاحم المطلق بين الدولة و الشعب.
فكما هو متفق عليه، فالأمن القومي ليس مهمة المؤسسة العسكرية وحدها بل هو مهمة كل جزائري و جزائرية. في هذا الصدد بالذات، لا يمكن أن يكون لتصريح قائد الأركان الجنرال قايد الصالح حول المخاطر الخارجية معنى و دلالة إن استمر الحكم في تجاهل مطالب الشعب و الاشتغال كما هو معهود بآليات سياسية قديمة غير مجدية.
إن بقاء الباءات على رأس مؤسسات الدولة هو استفزاز للشعب و تحدي غير مبرر لإرادته.
الإيحاء بوجود اختراق للحراك من طرف قائد الجيش لا يؤمن لا الحراك و لا الجزائر. انه من طبيعة السياسة و الحركات الاجتماعية أن تكون هناك اختراقات و اختراقات مضادة حتى من الدول الصديقة. فالتنديد لا ينفع في هذه الحالات و خاصة من أصحاب القرار. إن الإصغاء لصوت الشعب و فتح مجالات التعبير الحر وحده سيؤمن الحراك و الاستقرار الوطني.
في هذا النسق علينا أن نعي أن الحراك الشعبي الجزائري هو تحت مجهر العالم لسببين أساسيين:
1) إن الحراك الجزائري سوف يؤسس لنظام جديد. من هذا المنطلق، تحرس الدول على المحافظة على مصالحها عبر شخصيات و رموز سياسية تدعمها للتموقع في المرحلة القادمة..
2) نجاح الحراك في الجزائر سيفتح ملف العلاقات بين الدول المهيمنة و الدول الافريفية علي وجه الخصوص. إن مطالبة الشعب المالي لإجلاء فرنسا لقواتها من علي ترابه سيتسع أكثر في الأيام القادمة إن تمكن الحراك الاحتفاظ علي سلميته رغم الاستفزازات المحتملة و التي ستعرف تصاعد أكبر.
التصور جديد للعلاقات المستقبلية بين الدول المغاربية و الساحل
لقد أصبح النقاش حول العلاقات بين الدول المغاربية يدور في حلقة الصدامات و العداوات العلنية و الدفينة. ما انجر عنه سباق نحو التسلح كانت له نتائج وخيمة علي الحالة الاقتصادية لهذه الدول و شعوبها.
إن تخوف الجزائر من تحركات المشير حفتر و المناورات المغربية هو برهان قاطع أن دولنا أصبحت أدوات ضغط في يد القوى المهيمنة لضرب بعضها البعض و لما لا، لتطاحن أبناء الشعب الواحد كما هو الحال في ليبيا و مالي.
أمام هذه الحالة المزرية التي تمس كرامة منطقتنا و مستقبل أبنائها، يجب تجند القوي الشعبية و الديمقراطية و العمل على بناء علاقات تكاملية بين النخب و الشعوب و دول المنطقة التي تستلزم مستوى من الحرية و العدالة للجميع.
إن الحراك الشعبي الجزائري هو حراك تاريخي يجب المحافظة عليه عبر تكريس طابعه السلمي و العمل علي تعميق بعده ألمواطنتي.
*ابراهيم تزاغارت
بجاية 12 أفريل 2019
ملاحظة: ما ينشر من مساهمات لا يعبر بالضرورة على رأي الموقع
- روابط التحميل والمشاهدة، الروابط المباشرة للتحميل من هنا
Post a Comment