الجزائر-TSA عربي: بالرغم من أن مستقبل ومصير محاكمة الثلاثي السعيد، التوفيق وطرطاق لا زالت غامضة، إلا أن الخامس من مايو، سيبقى يومًا راسخًا في ذاكرة الجزائريين، وتاريخًا بارزًا في سجلات ثورة شعبية سلمية، أنهت حقبة بوتفليقة بمأسيها ورجالاتها الذين لم يضعوا هاته اللحظات في مخيلاهم.
لقّن نظام بوتفليقة السابق، الجزائريين درسًا حفظوه جيدًا، وهو عدم الثقة في كل ما يسمعونه إلا عندما ترى أعينهم ذلك، تمامًا كما هو الحال، عندما جرى الإعلان عن توقيف شقيق الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، والرئيسين السابقين لجهاز المخابرات، فكان الشك سيد الموقف.
غير أن بث التلفزيون العمومي لمقاطع فيديو تُظهر الأسماء الثلاث وهي تَهُمّ بالدخول إلى محكمة البليدة العسكرية، مطأطئة الرأس، والحديث عن إصدار القاضي العسكري لأوامر بإيداع سعيد بوتفليقة، والجنرالين عثمان طرطاق، ومحمد مدين، المعروف باسم التوفيق، في الحبس المؤقت، بتهمة “المساس بسلطة الجيش” و “المؤامرة ضد سلطة الدولة”، جاء ليُنهي حالة الغموض.
ربع قرن في الخفاء
سقوط رجالات الظل، ما كان ليكون لولا ثورة 22 فبراير الشعبية التي حرّرت الشعب الجزائري من قيود الظلم والاستبداد، فقبل أربع سنوات، كان مجرد التلفظ باسم الجنرال محمد مدين أو التوفيق من المحرمات. لا يعرف الجزائريون ملامحه جيدًا ولم يسمع أحد صوته، تتداول وسائل الإعلام إلا صورة واحدة له بالرغم من ترأسه لجهاز المخابرات لربع قرن، في أحلك حقبة مرت بها البلاد وهي فترة التسعينات.
تمت إحالته على التقاعد من قبل الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر 2015، عقب هجمة شرسة تلقاها من طرف الأمين العام أنداك لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، لكن طيفه ظل حاضرًا في المشهد، وتردّد إسمه كثيرًا منذ انطلاق حراك 22 فبراير، ليصل الأمر إلى تهديده بالملاحقة من قبل رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، متهمًا إياه بعقد “الاجتماعات المشبوهة في الخفاء”.
القايد في خطاب مُثير يوم الثلاثاء 16 أفريل، ألقاه من الناحية العسكرية الرابعة بورقلة قال إن تلك “الاجتماعات تهدف إلى التآمر على مطالب الشعب، ومن أجل عرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته لحل الأزمة”، مشدّدا “بعض هذه الأطراف وفي مقدمتها رئيس دائرة الاستعلام والأمن السابق، خرجت تحاول عبثًا نفي تواجدها في هذه الاجتماعات، ومغالطة الرأي العام، رغم وجود أدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة”، ومتعهدًا أنه في حالة استمراره (الجنرال توفيق) في هذه التصرفات، ستتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة“، دون توضيح طبيعة الإجراءات القانونية التي قد يواجهها رئيس المخابرات الأسبق، لكن تبين أنه كان يقصد السجن.
حارس بوابة الرئاسة
السعيد بوتفليقة، هو الآخر شخص لا يقل ضررًا عن الجنرال توفيق، وفق مراقبين، بعدما حاول الاستفراد بحكم الجزائر من وراء ستار وبطريقة غير دستورية، فتحول إلى “حارس بوابة الرئاسة” التي لا يقربها غير رجالاته، فكان شعار “جمهورية ماشي مملكة” من أجرأ الشعارات التي حملها الجزائريون ضد السعيد بوتفليقة، في أول مسيرة من الحراك يوم 22 فبراير، بالإضافة إلى “هذا الشعب لا يريد بوتفليقة والسعيد”.
بالرغم من حرصه على الابتعاد عن الأضواء قدر المستطاع، وارتداء ملابس جد عادية في المناسبات القليلة التي كان يظهر فيها، إلا أنه كان يخفي وراء تلك الملامح الكثير، ضمنها بمنصبه كمستشار في الرئاسة الذي حوله إلى الحاكم الفعلي للجزائر منذ أن تعرض شقيقه لجلطة دماغية في عام 2013 أقعدته على كرسي متحرك.
وفي الثاني أفريل الماضي، وصف قائد رئيس الجيش الفريق أحمد قايد صالح، المحيط الرئاسي بأنه ”عصابة” تعمل على تنفيذ ”مؤامرات ودسائس دنيئة ضد الشعب”، في تلك اللحظة استشعر الجزائريون قرب نهاية السعيد ومن معه، بعدما ظل قايد صالح يردد في كل خطاباته أن شقيق بوتفليقة، زعيم عصابة وقائد” قوى غير دستورية“، حاولت الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي. جاء ذلك بالتزامن مع هجمة غير مسبوقة قادها صديق شهاب، الناطق السابق باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي سابقًا ضد السعيد.
وتقول القراءات أن نهاية “مستشار الرئاسة” سابقا، بدأت بمجرد الإعلام عن اعتقال رجل الأعمال ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات السابق، علي حداد، وإيداع ثلاثة رجال أعمال من عائلة ”كونيناف“، رهن الحبس المؤقت للاشتباه في تورطهم بقضايا فساد متعددة، ومطالبة الشارع المؤسسة العسكرية بالوفاء بوعودها وسجن رأس العصابة.
طرطاق… الرجل الغامض
المسؤول العسكري الثالث الذي جرى إيداعه رهن الحبس المؤقت، هو عثمان طرطاق، الذي تمت إقالته من إدارة جهاز الاستخبارات بصورة مفاجئة يوم الجمعة المصادف لـ 5 أفريل (المسيرة السابعة من الحراك)، وإنهاء تبعية هذا الجهاز من رئاسة الجمهورية إلى قيادة أركان الجيش.
وشغل اللواء طرطاق، المعروف باسم “بشير”، منذ 2015 منصب مستشار لدى رئيس الجمهورية مكلف بالتنسيق بين المصالح الأمنية ومسؤول عن ثلاث مديريات في جهاز الاستخبارات هي: المديرية العامة للتوثيق والأمن الداخلي، والمديرية العامة للأمن الخارجي، والمديرية التقنية.
ولد عثمان طرطاق في أوائل سنة 1950 في بالعلمة (ولاية سطيف)، والتحق بجهاز الأمن بعد حصوله على الماجستير في العلوم السياسية ويعد من الإطارات التي حصلت على تكوين معمق بروسيا، كما تلقى تكوينا عسكريا معمقا ويتقن أربع لغات: الإنجليزية والفرنسية والروسية مع اللغة العربية الأصلية، اشتهر بمحاربته للإرهاب والذي أشرف على عملية “تيقنتورين” بعين أمناس في جانفي 2013.
التحقيقات متواصلة… فعلى من الدور؟
عقب إيداع الثلاثي، السعيد، توفيق وطرطاق، رهن الحبس المؤقت، وتهديد النائب العام لدى مجلس القضاء العسكري أن التحقيقات مستمرة لملاحقة كل من يثبت تورطه في تهم المساس بسلطة الجيش والمؤامرة ضد سلطة الدولة، يتساءل الجزائريون عن الأشخاص الذين سيطالهم الحساب والعقاب.
وتنص المادة 284 من قانون القضاء العسكري على ”أن كل شخص ارتكب جريمة التآمر غايتها المساس بسلطة قائد تشكيلة عسكرية أو سفينة بحرية أو طائرة عسكرية، أو المساس بالنظام أو بأمن التشكيلة العسكرية أو السفينة البحرية أو الطائرة، يعاقب بالسجن مع الأشغال من 5 سنوات إلى 10 سنوات”.
وتشدد المادة ”إذا تمت المؤامرة في زمن الحرب وعلى أراض أعلنت فيها الأحكام العرفية أو حالة الطوارئ، أو في أية ظروف يمكن أن تعرض للخطر أمن التشكيلة العسكرية أو السفينة البحرية أو الطائرة أو أن ترمي إلى الضغط على قرار القائد العسكري المسؤول فيقضى بعقوبة الإعدام“.
- روابط التحميل والمشاهدة، الروابط المباشرة للتحميل من هنا
Post a Comment